في السباق الدرامي للنصف الأول من رمضان "صلة رحم" في الصدارة و" الحشاشين" الحصان الرابح

مسلسل صلة رحم
مسلسل صلة رحم

يواصل الموسم الدرامي الرمضاني ضخ عدد من المسلسلات التي يتصدرها نجوما يتمتعون بشعبية جماهيرية، في الوقت الذي اختتم عددا مماثلا من المسلسلات حلقاتها في أغلبها محبطة للأمال والتوقعات، واستطاع على استحياء بعضا منها ان يظل متماسكا ومحتفظا بنجاحه لدقائقه الأخيرة، ونرصد في السطور التالية أبرزها وأسباب نجاحها.

تصدر مسلسل "صلة الرحم" قائمة النصف الأول من شهر رمضان جماهيريا، إذ يعد من المسلسلات التي ناقشت قضايا هامة بموضوعية وحيادية إلى حد كبير، لم يقدم المثالية المفرطة أو الشر المطلق بل أعطى مساحة كافية للتمهيد ثم الاضطرار وما تبعه من تجاوزات قد تكون حتمية، احترم عقلية المشاهد فتعايش مع الأحداث بكل جوارحه، فالسيناريو والحوار للمؤلف محمد هشام عبية حافظ على استرساله وتماسكه حتى حلقته الأخيرة وهو ما أصبح نادرا حدوثه في الدراما التليفزيونية، كما حافظ المخرج تامر نادي على إيقاعه دون الاضطرار إلى المط أو التكرار فظل قوامه مشدودا للخاتمة.

المسلسل ناقش في محوره الرئيسي قضية حرمها الشرع ويعاقب عليها القانون، إذ أن اضطرار البعض لاستئجار رحم تجاوزا لأزمات عدم الإنجاب والحرمان من الأطفال يوقعهم في أزمات لا حصر لها كشف بعضها مسلسل "صلة رحم"، وهو بذلك يدق ناقوس خطر في صلب واحدة من الأزمات التي تخص شعوبا تحكمها شرائع وقوانين.

تتفرع الخطوط الدرامية وتتشابك مع الخط الرئيسي دون خلل أو ملل، مع إعطاء كل خط مساحته وتطوره طارحا الرأي الفقهي والقانوني بشكل مباشر أحيانا وغير مباشر في احيان أخرى، إلى جانب دعوى تستهدف روح القانون لعمل استثناء لبعض الحالات، ربما أخفق المسلسل في الأسلوب الخطابي الذي اتبعه طبيب النساء الذي احترف عمليات الإجهاض في الخفاء أثناء التحقيق معه، والتحول السريع في طبيعة شخصيته التي رسمت بدقة طوال الأحداث بإستثناء الأخيرة.

في التمثيل كانت مباراة ممتعة شملت نجوم الصف الأول وكافة الصفوف كل منهم أدى دوره بكفاءة واحترافية، المسلسل بطولة إياد نصار وأسماء أبو اليزيد ويسرا اللوزي ومحمد جمعة.

بينما اجتذب مسلسل "مسار إجباري" للمخرجة نادين خان وبطولة أحمد داش وعصام عمر وصابرين وبسمة عددا كبيرا من المشاهدين في حلقاته الأولى التي بدت جاذبة ومشوقة حتى الحلقة العاشرة، إلا أن اختلاق أحداثا جديدة لتبديد فرحة الانتصار بالافراج عن السجين البريء تطلبت مطا وتطويلا وتكرارا لبعض المشاهد، على عكس ما توقعه صناع العمل من إثارة فضول المشاهد لاستكشاف الجاني الحقيقي، كان واضحا افتعال أزمات دون ضرورة فهوى إيقاع المسلسل وبدت الصورة باهتة، وصولا الى المرافعة النهائية التي كان من الممكن أن تكون "ماستر سين" أسوة بمسلسل " نعمة الأفوكاتو" للمخرج محمد سامي، كانت حلقته الأولى متوازنة وجاذبة وظهرت بطلته مي عمر في أفضل حالاتها واهتمامها بتفاصيل بسيطة وغاية في الأهمية في تجسيد شخصية المحامية بنت البلد التي تعتز بأصلها وذاتها، إلا أنها سرعان ما لبستها روح الفنانة نادية الجندي في معظم أفلامها، وكانت سببا في تصدرها إيرادات شباك تذاكر دور العرض لسنوات، تحول سياق الأحداث بعدها إلى الكوميديا ممزوجا بإيقاع موسيقي أشبه بصراع فيلم "عنتر ولبلب"، كان الجمهور ينتظر طوال الحلقات موعد " القلم" الجديد وانتقام "نعمة" المحامية الذي سيتجاوز القانون بالقانون، فكانت المحاكمة النهائية لضليعة القانون المحامية التي لا تهزم "ماستر سين" حقيقي، تبعه ماستر سين أخر أراد المخرج أن يتفوق على نفسه فأنهى حلقاته بولادة المحامية في المحكمة.

وقدم الفنان كمال ابوريا واحدا من أروع أدواره كمحامي سابق ووالد المحامية الفذة، اما أغلب الشخصيات الرئيسية فكانت باهتة وأداءها لم يضف لرصيدها جديد.

أيضا مسلسل " أعلى نسبة مشاهدة" للمخرجة ياسمين أحمد كامل وبطولة سلمى أبو ضيف وانتصار ومحمد محمود وفرح يوسف وإسلام إمام وهند عبد الحليم ومحمد حاتم، فقد تعرض لحادثة راهنة كانت قضية رأي عام منذ سنوات قليلة واستحوذت على اهتمام قطاع كبير من المواطنين، خوفا من مخاطر السوشيال ميديا وطمعا في إنقاذ بناتهم منها، راعى المسلسل التركيز على بعض مسببات استدراج الفتيات إلى الدعارة الإليكترونية، والإقبال الشديد على النجومية الافتراضية ومكاسبها السريعة وأزماتها اللاحقة.

الانغماس في المحلية كان واحدا من أبرز عوامل انجذاب المشاهد للحلقات الأولى في المسلسل، التركيز على تفاصيل الحارة الشعبية من مباني وملابس وحوارات وضعنا أمام نجوما كبار كلا منهم في موقعه من ديكور وإضاءة وملابس وغيرها، ربما المبالغة في اللهجة وتعبيرات الوجه أوقعت بعضا منهم في فخ التنميط والتشويه كما حدث مع ليلى أحمد زاهر، إلا أنه نجح مع سلمى أبو ضيف التي قدمت شخصية مميزة جدا، إلى جانب انتصار ومحمد محمود وفرح يوسف وإسلام إمام، فقد أجادوا تقديم شخصياتهم ولهجتهم، لم يتمكن المسلسل من الحفاظ على إيقاعه المتماسك بعد الحلقة العاشرة، وأقحمت أزمات دون ضرورة وصولا للحلقة الأخيرة التي انتهت بمحاكمة باهتة محبطة رغم تنافس الجميع على التعاطف معها والتماس الرأفة من القاضي في لحظة فارقة لحظية، سرعان ما عادت الحياة في الفيديوهات المباشرة لكل أطراف قضية "التيك توكر شيماء" بحثا عن النجومية الافتراضية كأن شيئا لم يحدث.

الاستثناء الوحيد في الموسم الدرامي الكبير كان لمسلسل " الحشاشين" للمخرج بيتر ميمي والمؤلف عبد الرحيم كمال وبطولة كريم عبد العزيز وفتحي عبد الوهاب وأحمد عيد، إذ أنه مع حلقته السابعة عشر لا زال يحظى باهتمام كبير لمتابعته، فقد طرق بابا مختلفا سلب عقول وفضول نسبة لا يستهان بها من المشاهدين، فكرة الهيمنة المسيطرة على البشرية منذ نشأتها وحتى دخول الإسلام الذي يتعرض دوما لمن يريد أن يتسيد العالم تحت عباءته ومن خلال التشكيك في ثوابته، فعلها عبد الرحيم كمال واخترق الدراما التاريخية بعمل تطلب الكثير من الجهد والبحث للوصول إلى صورته الحالية، وعلى الرغم من الاتهامات التي طالته بعدم دقة بعض أحداثه أو تاريخها إلا أنه يكفينا أنه أثار فضول متابعيه وأشعل حماسة البحث عن الباطنيين ومنهم " الحشاشين"، وفتح أفق جديدة أمام كتاب الدراما للتعمق في التاريخ وما يطويه من كنوز فكرية.

ترشيحاتنا